محمد علي حواتمة
عدد المساهمات : 18 تاريخ التسجيل : 16/06/2011 العمر : 54 الموقع : الزرقاء
| موضوع: العشيرة ودبلوماسية التواصل والترابط الأحد أغسطس 28, 2011 7:32 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
عندما نقول التواصل فإننا نذهب إلى الصلة والترابط والالتئام والاجتماع مقرونًا بالحب والوئام ؛ وإن كانت المحبة لا تشترط هنا بمفهومها الكامل ؛ لكن المهم أن يكون الاحترام المتبادل موجودًا ، وكذا احترام وجهات النظر الأخرى ، فمتى كان ذلك حاضرًا وكان التواصل قائمًا تبلور ذلك إلى الوئام والمحبة الصافية الصادقة – بإذن الله تعالى – لأن التواصل يذيب كل الشفرات والاستفهامات المؤدية إلى القطيعة ، وفيه تتحقق العلاقات الحميمية بين المتواصلين ، وإن اختلفت درجاتها بين طرف وأخر ، والتي قد تلحظ من خلال التعابير الظاهرة على الوجوه ، وكذلك ما يصل إلى الذهن من برمجيات ورسائل سريعة لتحديد قوة درجة قبول التواصل بين الطرفين ، والتي يستشعرها المتواصلون من نظرات العين وتعابير الوجه وحركة الجسم ونبرت الصوت وغيرها ، إلا أنها تبقى جميعًا داخل إطار التواصل المنشود ، وإن كان في أقل درجاته ، فقيام التواصل واستمراريته هو الهدف والجوهر من علاقات التواصل بين البشرية عمومًا وبين أفراد الأسرة بشكل خاص ، وهو ما يهمنا هنا .
فالتواصل بين أفراد الأسرة المصغرة ( أي الزوج والزوجة والأبناء ) يكون في الحوار والتشاور والتفاهم والإقناع والاتفاق ، تحت مضلة التعاون وتشاطر المسؤوليات للحفاظ على كيان الأسرة والوصول بها إلى بر الأمان ، وهذا لا يختلف بالنسبة لأفراد الأسرة بشكلها الواسع ( أي أفراد القبيلة أو العائلة من الآباء والأحفاد وأبناء العم ) مع التوسع في تلك المقومات ، فمتى سادت بينهم روح لغة الحوار والتشاور والتفاهم والاتفاق والإقناع ، وطغت عليهم روح المساعدة والتنسيق في توزيع الأدوار والمسؤوليات ، والعمل بروح الفريق الواحد ، وتأصلت فيهم لغة ومفاهيم واحدة أو متقاربة ومتوافقة غير متضاربة ولا متباينة ، كان التواصل بينهم عنوانًا بارزًا .
وبحمد الله وتوفيقه فإن الأسر اليوم تتفاعل مع نداءات لحمتها رغم المشاغل وبُعد المسافات ؛ لتتواصل وتلتقي وتجتمع . إلا أن الرغبة والشوق إلى تواصل أشمل ولقاءات أوسع ، وصلة رحم أعمق ، تحثني إلى طرح بعض الأفكار والمقترحات التي قد تسهم في تحقيق تلك الرغبة .
فللتواصل أساليب وآليات وطرق تساعد على تحقيقه بين أفراد الأسرة ، ولكن قبل أن نعرف تلك الأساليب والطرق والسبل المؤدية للتواصل ؛ فإنه يحسن بنا أن نتعرف على بعض المعوقات التي قد تقف حاجزًا أمام التواصل ، أو تكون سببًا في تأخره ، ومما لا شك فيه أننا إذا عرفنا تلك الأسباب عرفنا السبل الموصلة للتواصل بشكل تلقائي .
فمن تلك المعوقات على سبيل المثال :
- غياب أساليب التواصل الإيجابي والحوار الهادف والبناء ، ولعل من أسباب ذلك : - غياب تنشئة الأبناء منذ الطفولة على التواصل وأهميته . - عدم تدريب الأبناء على مبادئ الحوار وآداب التعامل مع الآخرين . - التأثر بالمظاهر البراقة في الاجتماعات دون البحث عن الجوهر . - الخضوع لضغوطات التبعية السلبية لأسرتي الزوجين ، فتكون الأسرة هي المحاور بدلاً من التواصل . - التنشئة الاجتماعية السلبية التي في أحيان كثيرة لا تشجع على التواصل الإيجابي والفعال مع الآخر . - الاستسلام لضغوط العمل والمتطلبات الأسرية المرهقة ، التي تؤدي إلى إهمال جانب التواصل مع الأسرة في محيطها الصغير مما ينعكس سلبًا على التواصل الأسري بشكل عام . - الاعتقاد بأننا لسنا بحاجة إلى الاتصال والحديث مع الآخرين ، وإن حصل وتحدثنا تحدثنا باتجاه واحد "أي نحتكر الحديث ونأخذ الصدارة في ذلك "دون مراعاة للآخرين والتحاور معهم ومعرفة ما لديهم من رؤى وأفكار .
إن اهتمام الآباء بتربية الأبناء منذ طفولتهم على التواصل وتنشئتهم على لغة الحوار والآداب داخل محيط الأسرة بين الأب والأم والأبناء ينعكس إيجابًا على الحياة الأسرية في محيطها العام ، لأنه يؤسس الثقة لديهم ويساعدهم في التواصل ومناقشة قضايا الأسرة التي ينتمون إليها ، ويجعلهم يستشعرون أهمية الأمر لما نشئوا عليه وما ترسخ لديهم من دعائم المودة والرحمة والسكينة والوعي بأهمية التواصل وفوائده الاجتماعية ، الأمر الذي يجعلهم يتفننون في سبل وطرق التواصل وتعلمها والاستفادة من تجارب الآخرين ، ومن تلك الطرق والآليات والسبل والوسائل التي تعزز التواصل بين أفراد الأسرة ما يلي :
· حسن العشرة بالمعروف وكف الأذى ، وعدم اللوم والشكوى وغيرها من منغصات التواصل . · الحرص على أداء الواجبات اتجاه الأسرة قبل المطالبة بالحقوق منها . · العناية بنشر الوعي والأخلاق والآداب والنصح والتوجيه داخل الأسرة . · زرع روح الحياة الجادة المنتجة لعموم أفراد الأسرة . · الحث على المسابقات الهادفة والدروس النافعة ونقل الخبرات الإيجابية . · التعود على طلاقة الوجه والابتسامة الصادقة وإفشاء السلام . · الحرص على حسن اختيار الألفاظ المهذبة والمؤدبة والطيبة التي تدخل السرور على النفوس وتزيل ما قد يوجد فيها من احتقان . · تقديم الهدايا مهما كانت رمزية إلا أنها تؤثر تأثيرًا إيجابيًا بليغًا . · اغتنام الفرص للتقرب والتودد والتحبب في كافة المناسبات والمشاركة فيها . · التواصل عبر كل السبل من اللقاءات والاتصالات الهاتفية والإلكترونية والبريدية ورسائل الجوال وغيرها ، فقد تفوق تلك الرسائل تأثيرًا لكل مشاعر اللقاء وتقارب الأبدان . · الحرص على التسامح ومسح ما قد يقع في القلوب بشيء من عتاب المحب اليسير الذي ينقي السرائر ويصفي النفوس . · الحرص على الإصغاء للآخر مهما كان مخالفًا في الرأي ، أو كان ذو طرح غريب وشاذ . · إدراك الفروق الثقافية بين الجميع ، وإدراك اختلاف الأفكار ، وكذلك التوجهات الفكرية ، واختلاف الأطروحات والأهداف منها ، فإن إدراك ذلك كله والتفاعل معه يساهم في التواصل بشكل إيجابي وفعال . · أن نبتعد عن أساليب الهمز واللمز الخفي "حتى عند المزاح "لأنه قد يفسر تفسيرات أخرى فيكون سببًا للقطيعة وعدم التواصل . · الوضوح في طرح الأفكار وعند الحديث وخلال الحوار .
إن التواصل الأسري لهو بنيان للمجتمع بأسرة ، إذ أن المجتمع مكون من لبنات أسرية ، فمتى تماسكت تلك الأسر وسادة الطمأنينة والسكينة عليها انعكس ذلك إيجابًا على المجتمع وتفاعل دورها في البناء والتشييد على وشائج متينة وقواعد صلبة مؤسسة على الود والحب والإخلاص والثقة ، وبالتالي هذا المجتمع يؤثر إيجابًا بتلك المقومات على المجتمعات المحيطة ، وبدوره ينعكس ذلك على العالم بأسرة .
فالأسرة الصغيرة هي نواة العالم بأكمله ، فمن الأب والأم والأبناء إلى الأسرة الكبيرة ومنها للمجتمع إلى العالمية ، وهذا الترابط نتيجة التطور الهائل الذي نعيشه اليوم وحول هذا العالم إلى قرية صغيرة يؤثر كل فرد فيها ، فتماسك الأسر والمجتمعات يساهم بشكل فاعل إلى وئد الاضطرابات والحروب في مهدها ، فكل ذلك محمل على كاهل الأسرة وقيامها بمسؤولياتها اتجاه أبنائها ومجتمعها والعالم برمته .
فبالتواصل يكون تحفيز القدرات الإنسانية وتفعيلها في كل أمر إيجابي ، وبعدم التواصل تكون النتيجة عكسية فتثور الأحقاد والضغائن والاضطرابات ، فتكون القطيعة وتنشأ بؤر الفساد وتنبعث براثن الشر والحروب والهلاك في البر والبحر [center] | |
|